نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2188
شركاء لله. إنما يقولون: «هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا» .. ويفزع الشركاء ويرتجفون من هذا الاتهام الثقيل، فإذا هم يجبهون عبادهم بالكذب في تقرير وتوكيد: «فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ» ويتجهون إلى الله مستسلمين خاضعين «وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ» .. وإذا المشركون لا يجدون من مفترياتهم شيئاً يعتمدون عليه في موقفهم العصيب: «وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ» .. وينتهي الموقف بتقرير مضاعفة العذاب للذين كفروا وحملوا غيرهم على الكفر وصدوهم عن سبيل الله: «الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ» فالكفر فساد، والتكفير فساد، وقد ارتكبوا جريمة كفرهم، وجريمة صد غيرهم عن الهدى، فضوعف لهم العذاب جزاء وفاقا.
ذلك شأن عام مع جميع الأقوام. ثم يخصص السياق موقفاً خاصاً للرسول- صلى الله عليه وسلم- مع قومه:
«وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ، وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ» ..
وفي ظل المشهد المعروض للمشركين، والموقف العصيب الذي يكذب الشركاء فيه شركاءهم، ويستسلمون لله متبرئين من دعوى عبادهم الضالين، يبرز السياق شأن الرسول مع مشركي قريش يوم يبعث من كل أمة شهيد. فتجيء هذه اللمسة في وقتها وقوتها: «وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ» .. ثم يذكر أن في الكتاب الذي نزل على الرسول «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» فلا حجة بعده لمحتج، ولا عذر معه لمعتذر. «وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ» .. فمن شاء الهدى والرحمة فليسلم قبل أن يأتي اليوم المرهوب، فلا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون..
وهكذا تجيء مشاهد القيامة في القرآن لأداء غرض في السياق، تتناسق مع جوه وتؤديه.